د. ضيف الله مهدي
ما يزال البعض من رؤساء الدوائر والمديرين يتبنى "قانون فرعون" ويتخذه شعارًا ودستورًا له: (ما أريكم إلا ما أرى). قال تعالى: "
{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}
". ومهما حاولت معه ومهما نصحت له، لا يتراجع، وكل ما تعلمه وكل ما درسه وما تلقاه وما سمعه وما تدرب عليه في التربية والتعامل مع الناس ومع من يديرهم أو يرأسهم فلا يطبق منه شيئًا. ولم يتبع المنهج النبوي ولم يستفد من التوجيهات النبوية والتعليمات في هذا الأمر وبقي متسلطًا يفعل ما تأمره به نفسه الأمارة بالسوء، ومتخذًا قانون فرعون هو قانونه.
سمات القائد الناجح وفقًا للعلم
لقد أثبت علم النفس الاجتماعي وعلم النفس القيادي والإداري والهندسي عدة صفات يجب أن تكون في القائد أو الرئيس أو المدير، ومنها صفات عقلية وصفات نفسية وصفات جسمية. وحظيت السمات الشخصية (Personality Traits) للقائد باهتمام علماء النفس والتحليل النفسي وعلماء النفس الاجتماعيين وعلم النفس القيادي والإداري. وقد كانت أهم السمات الشخصية التي يجب أن يتسم بها القائد هي ما يلي:1
الثقة بالنفس.
الاتزان الانفعالي.
السيطرة.
الذكاء.
المبادأة.
الطموح.
المرونة.
الحماس.
البشاشة والمرح.
الحساسية الاجتماعية.
الشجاعة.
الابتكار والإبداع.
اللباقة.
تكامل الشخصية وتوافقها (الصحة النفسية).
الموضوعية (عدم التحيز).
النزاهة والشفافية والصدق، حيث تعطي هذه الصفات الانطباع للآخرين بالثقة بالقائد وطاعة أوامره.
الاستماع لهموم الجمهور ومحاولة حل المشكلات.
امتلاك الرؤية.
تحمل المسؤولية.
وهناك سمات أو صفات جسمية كالطول والوزن واللون والوسامة والقبول، وهناك التنشئة والتربية لها دور أيضًا في تشكيل القائد أو المدير.
دور التنشئة والقدوة في صناعة القائد
قال الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان: "ننظر للأطفال يلعبون ونسمع كلامهم، فمن قال: أنا مع من أكون! فهذا لن يكون قائدًا، ولذلك نعمل على تبديل ما في نفسه ونغرس في نفسه ما يساعده ليكون قائدًا. أما الطفل الذي نسمعه يقول: من يكون معي، فهذا نتنبأ له أن يكون قائدًا فنسعى لأن ندعمه ونقف معه حتى يكتمل طموحه وقيادته".
لذلك قاد أسامة بن زيد رضي الله عنه الجيش وعمره 17 سنة. وقاد محمد بن القاسم الثقفي الجيش وعمره 16 سنة. وقاد طارق بن زياد الجيش وعمره 18 سنة. وهناك كذلك الكثير.
عندما نختار قائدًا أو رئيسًا أو مديرًا لأي مؤسسة أو دائرة أو مدرسة وحتى رب الأسرة يجب أن تكون فيه صفات القائد المدير الرئيس. لذلك قالوا: "الشخص المناسب!". لكن لم يكن هناك المكان المناسب، فأغلب الأشخاص المناسبين لم يكونوا في الأماكن المناسبة! لذلك تظهر المشاكل من أول يوم تطأ قدمه المكان الذي اختير له ليكون مديرًا أو رئيسًا أو قائدًا. أما من تكون فيه الصفات التي ذكرت أعلاه فسينجح من أول يوم تطأ قدمه المكان الذي اختير له.
ثم على القائد أو المدير أن يتخلى عن قانون فرعون (ما أريكم إلا ما أرى)، فهذا القانون أهلك فرعون وكل من معه. القائد أو المدير الذي تم اختياره، يجب عليه أن يسير من حيث انتهى عنده سلفه ويجب عليه أن يستفيد من الخبرات ومن أمضى أكثر من عشرين سنة يعمل في هذه الإدارة أو المؤسسة.
ضرورة المعايير العلمية لاختيار القيادات
كذلك أرى أن تُصمم اختبارات ومقاييس نفسية واستبانات ودراسات بحثية لاختيار القادة والرؤساء والمديرين، ويتم حتى دراسة أسرته وعائلته وقبيلته، هل فيها قادة ورؤساء قد أتوا من قبل؟ وهل فيها علماء وتربويون، ومصلحون؟ هل أسرته أسرة صلاح وخير وتقوى، أم أسرة عدائية وعدوان ومشاكسات؟! هل هي أسرة منتجة خدم أبناؤها الوطن في التعليم والأمن والجيش والصحة، أم هي أسرة تهريب ومخدرات وسجون وغير ذلك؟ فزيد بن حارثة قائد وابنه أسامة قائد، ومحمد بن القاسم قائد وعمه قبله قائد. والأمثلة كثيرة من الماضي والحاضر.
أرى أن يتم الإسراع في تصميم الاختبارات والمقاييس والاستبانات لاختيار القادة ورؤساء ومديري الدوائر الحكومية حتى يستمر البناء والعطاء والإنتاج. لا بد من الاستفادة من علماء النفس والعلوم النفسية وعلماء الاجتماع والدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجيا الاجتماعية.